مقالات

د.أحمد شندى يكتب: التعليم وما وراء التعليم

في القرن الحادي والعشرين لم يعد الهدف من التعليم قاصرا علي نقل المعلومات من المعلم إلي الطالب وذلك لأن المعرفة أصبحت سلعة ومن السهل جدا الوصول للمعلومات، فالعالم عبارة عن قرية تكنولوجية صغيرة تتوسطها التقينات الحديثة المتقدمة جعلت الطلاب تتعلم ما يريدون من أي مكان وفي أي وقت من خلال مشاهدة مقاطع الفيديو من الإنترنت والقنوات التعليمية المتعددة أو من مصدر مختلف فأصبحت بديل لهم من الجلوس في الفصل والاستماع إلي المعلم.

مهارات القرن الواحد والعشرين

ولعل من أبرز مهارات القرن الواحد والعشرين تكمن في تطوير المهارات النقدية من التفكير النقدي وحل المشكلات والتعاون والعمل السريع والتكيف والمبادرة وريادة الأعمال والتواصل الشفهي والمكتوب والمتعدد الوسائط الفعال والوصول للمعلومات المستهدفة والفضول والخيال واكتشاف الأهداف والأهم من ذلك إلهام الطالب.

الكثير منا يتمني أن يولد في نيويورك أو كندا أو ألمانيا وغيرها من الدول المتقدمة علميا؛ أتخيل أن معظمنا يتمني أن لو كان ولد في الخارج فذلك مؤلم لأن هذا الشعور ناتج عن فرد لا يستطيع التأقلم بمواهبه في بلاده وهذا شدة الألم.

هناك من يريد أن يصبح طبيبًا أو عالما في أحدي التخصصات هذا كله جميل ، ولكن ماذا ستفعل او اعترض النظام التعليمي طريقك بسبب بعض الدرجات في بعض المواد تجعلك لا تستطيع الدخول للكلية التي تحلم بالدخول إليها.

التعليم المصري

ولكن دعني أحدثك أن التعليم المصري ما زال نبع العطاء للعديد من العلماء في مختلف التخصصات في كل بلدان العالم المتقدمة وهناك عظماء رغم تحديات وعقبات الحياة لم تكن حائلا أمام تفوقهم ودراستهم سواء في المرحلة الثانوية أو الجامعية لأن الذكاء ليس قاصر علي الظروف المادية فقط.

ولا ننسي جميعا بأن التعليم يولي اهتمامه للمتفوقين وهذا شئ جيد وليس بسيئ ولكن عندما يتعلق الأمر بالطالب الضعيف واحراجه فهذا ليس بشئ جيد على الاطلاق ..سأخبركم شيئا تستحقون قرائته … وتكريم للأوائل والمتفوقين سيقول الكثيرين هذا جيد ولكن لماذا تحرجون طالبا تقديره منعه من أن يكون من الأوائل بدلا من تقويمه وجعله أفضل من ذى قبل هل تريدون احراجه بعرض تلك العلامات السخيفة التى لا تحدد قدرات أى شخص بل تحدد قدرة الشخص على الحفظ والاستظهار وعدم قدرته على الفهم والتحليل ..لن يكون الوضع جيدا وهناك من يستحق مكانك ..اذا اردت أمرا عليك أن تكون جديرا به ..اذا لم تجعل حياة شخص اخر افضل فأنت تضيع وقتك ! .

فالطالب حينما ينتهي من المرحلة الثانوية ينتقل لمرحلة جامعية ومرحلة تعليمية جديدة في حياته إلا أن أغلب الطلبة في المرحلة قبل الجامعية يحتاجون مزيد من التوجيه والدعم والمعلومة المقننة، فهناك تفكير عقيم سائد لدي البعض عن تصنيف ترتيب الكليات في مختلف كليات الجامعات بما يسمي بكليات القمة وما دون كليات القمة لذلك يواجه بعض الطلاب في كليات القمة فجوة كبيرة في السنة الأولي من الدراسة لعدم اجتيازهم تلك السنة الأولي من الدراسة في كليات الطب والهندسة كما حدث في بعض كليات الطب في اغلب الجامعات المصرية هذه السنة لانهم كانوا يعتمدون في الثانوية العامة علي الحفظ والتلقين للحصول علي درجات عالية فقط،
السؤال يطرح نفسه:

إلي أين نظل نصنف التعليم بمفاهيم ومعتقدات خاطئة بالقمة وما دون قمة؟

عزيزي القارئ ، دعني أحدثك عن بعض العظماء من العلماء المصريين الذين وصلوا لاعلي مراحل العلم من انجازات واكتشافات أمثال الراحل العالم الدكتور أحمد زويل ، وليسوا خريجين لكليات القمة.

ناهيك عن نظرة بعض الطلاب الذين يدرسون بما يسمي كليات القمة إلي أقرانهم من طلاب الكليات الأخري فهم ينظرون إليهم نظرة الدونية بأنهم فقهاء العلم وأن زملاؤهم في باقي الكليات ما دون ذلك.

وكذلك أيضا تسليط الضوء عليهم دون زملاؤهم كل هذا يجعلنا في حاجة لمزيد من الوعي المعرفي والثقافي من كل القائمين على العملية التعليمية والتربوية في مختلف المراحل التعليمية.

خلاصة القول:

تحظي الجامعة بمكانة كبيرة وراقية في العقل والوجدان لأنها تفتح أبواب تغلقها المراحل الدراسية التي قبلها حيث تكمن عظمتها في منهجية البحث والمجهود الفردي النابع من الإرادة ومحبة العلم في داخل الإنسان ويفتح لنا كمتعلمين باب التنوع الثقافي والفكري التي تساهم في بناء الفرد والمجتمع.

لكننا بحاجة لبعض التغييرات لتغيير مسار تقدم العلم مثل التركيز علي الكفاءات والمهارات بدلا من المحتوي( المنهج) وزيادة تنقل الطلاب والبرامج متعددة البلدان بما يسمي التعليم الدولي والتركيز علي ريادة الأعمال (بجانب التركيز علي المهنيين أو الباحثين) وكذلك برامج فردية (متعددة التخصصات وبرامج مصممة خصيصا)، والتدريب بالذكاء الاصطناعي ( المحتوي الميكانيكي الذي تقدمه الآلات) من خلال دورات تدريبية مكثفة عبر الإنترنت
وإستخدام MOOC، تجزئة البرامج (تمكن الطالب من تلقي التعليم من جامعات مختلفة بما يتماشي مع تفضيلاتهم) وتسييل الوقت ( يجعل الطالب يتعلم بشكل مستقل عن العام الدراسي مع التعليم غير المتزامن ) ووضع معايير لتحديد نجاح الطالب من عدمه حتي لو أدت إلي ( لم ينجح أحد!)، فضلا عن ذلك تطوير اساتذة الجامعات ووضع معايير لإختيارهم وتطوير الجامعات لكي ترقي للمستوي الآدمي الذي يليق بها.

لذلك يجدر بنا القول:
أن الإنسان مرآة نفسه ولا يحق لأحد أن يعرفه أكثر مما يعرف ذاته. وكل يعرف موطن قوته وموطن ضعفه.

الدكتور/ أحمد شندى باحث دكتوراه مناهج وطرق تدريس اللغة الفرنسية كلية التربية – جامعة المنصورة
[email protected]

اظهر المزيد


زر الذهاب إلى الأعلى