مقالات

الدكتور محمد البنا يكتب: تحليل الوضع الاقتصادى الحالى فى مصر

يتعرض الاقتصاد الوطني عادة لأزمتين متناقضتين، أولها حالة من التباطؤ والركود ومن ثم تراجع حركة الاستثمار والانتاج والتشغيل بل خروج بعض المشروعات من الأعمال ومن ثم انتشار البطالة، وعادة ما ترتبط مثل هذه لأزمة باضطرابات في الجهاز المصرفي. ويطلق على تلك الحالة أزمة مالية، حيث يكون المحرك الرئيسي لحدوثها عادة الجهاز المصرفي وارتباك النشاط الاقتصادي بدءا من تراجع الطلب الكلي (الاستهلاك والاستثمار والصادرات) ومن ثم تراجع المعروض من السلع الخدمات في الأسواق، ومن أمثلتها ازمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة 2008، وعام 1997 في دول شرق أسيا.

في المقابل تتعرض الاقتصادات لموجات من ارتفاع الأسعار إما بسبب حالة من الرواج ووصول الاقتصاد الوطني لحالة من التشغيل الكامل، أو نتيجة إفراط في لمعروض النقدي، بسبب عجز في الموازنة العامة للدولة واللجوء للجهاز المصرفي والبنك المركزي لتمويل العجز.

وفي بعض الأحيان قد يكون مصدر التضخم ارتفاع في تكاليف الانتاج كارتفاع في أسعار الوقود أو المواد الخام، واضطراب في سلاسل الامدادات وسلاسل القيمة كما يحدث حاليا في الدول الغربية.

فما الذي يحدث في مصر حاليا؟ وما طبيعة الوضع الاقتصادي وأبعاده؟

على أرض الواقع يعيش الاقتصاد المصري حالة من التضخم المتزامن مع الركود الاقتصادي، وهي حالة نادرة الحدوث عرفتها الاقتصادات المتقدمة إبان أزمة النفط عام 1974 وما ترتب عليها من ارتفاع في أسعار الوقود، وسبب ركودا في النشاط الاقتصادي وولد ما أصبح يعرف بالتضخم الركودي أو الكساد التضخمي.

ترجع الضغوط التضخمية الحالية في مصر، مثل بقية دول العالم، إلى السياسات التوسعية التي تم تنفيذها لمواجهة حالات التباطؤ والتراجع في النشاط الاقتصادي نتيجة انتشار وباء كوفيد-19 عام 2020 والاجراءات الاحترازية وحالات الاغلاق والحظر التي فرضت في أعقاب الوباء، متمثلة في تخفيض أسعار الفائدة، وتوسع الحكومات في الانفاق العام، الأمر الذي غذى الطلب الكلي خاصة الانفاق الحكومي والانفاق الاستهلاكي.

ومع بدايات عام 2021 كانت بوادر التضخم قد بدأت تظهر في معظم دول العالم، بسبب السياسات التوسعية وتراجع النشاط الاقتصادي والمعروض من السلع والخدمات، دعمتها ازمة الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت فبراير 2021 ومضى عليها الآن أكثر من عام ولا يلوح في الأفق بادرة للحل، مما تسبب في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتأثرت سلال التوريد العالمية مما عمق الاتجاهات التضخمية في كل دول العالم ومنها مصر التي تستورد جانبا كبيرا من السلع الاستهلاكية ومستلزمات الانتاج بل ومصادر الطاقة.

من ناحية أخرى استمر عجز الموازنة العامة للدولة في تحقيق مستويات عالية، وارتفع حجم الدين العام المحلي والخارجي، وتفاقمت مصروفات خدمة الدين، مما شكل تحديات على ادارة مالية الدولة، وفي ظل التوسع في مشروعات البنية التحتية المكلفة، وتزايد مصروفات الدعم بشقيه لنقدي من خلال تكافل وكرامة والعيني من خلال السلع التموينية والخبز، واضطرت البلاد للحصول على مساعدات وتمويل أجنبي، كان سببا في الإفراط النقدي والضغط على الاسعار فاتخذت اتجاهات تصاعدية.

من ناحية أخرى يعاني مجتمع الأعمال من مشاكل مزمنة أثرت على مستويات الانتاج والتشغيل، إضافة إلى تبعات الإجراءات الاحترازية التي طبقتها الحكومة عام 2020 وأوائل عام 2021، مما أثر سلبا على معدلات الانفاق الاستثماري بالقطاع الخاص من أفراد ومنشآت فضلا عن القيود الناشئة عن البيروقراطية الحكومية وغيرها من المحددات التي يعكسها مؤشر بيئة الأعمال الدولي، حيث تحتل مصر مركزا متأخرا في معظم مؤشراته الفرعية، والتي أثرت بدورها على تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

رغم خطورة ما يترتب على التضخم من أثار سلبية تلحق بالمجتمع ككل، وتصيب فئات عديدة بخسائر فادحة إلا أننا لم نسمع حتى الآن عن خطة متكاملة أو حتى برنامج مدروس يرتكز على إجراءات متكاملة من السياسات المالية والنقدية تضمن التنسيق بين قرارات كل من وزارة المالية والبنك المركزي، ويكون لوزارة التخطيط فيها الدور القيادي والتنسيقي.

الدكتور محمد البنا أستاذ الاقتصاد والمالية العامة – جامعة المنوفية

اظهر المزيد


زر الذهاب إلى الأعلى