مقالات

الدكتور محمد البنا يكتب: واقع ومستقبل الاقتصاد المصرى

ينطلق مستقبل الاقتصاد المصري من الماضى ومن واقع الوضع الحالي، وتتمثل معايير الحكم والتنبؤ في محددات رئيسية للطاقات الإنتاجية ومحددات للأداء الحالي والمستقبلي، وبعيدا عن المؤشرات المالية والنقدية التي تشد الانتباه، والاثارة، سنستخدم المؤشرات الحقيقية ممثلة في الناتج المحلي، والتكوين الرأسمالي الثابت، والادخار القومي، ثم الاستهلاك، وأخيرا أهم قطاعات النشاط الاقتصادي في بيان واقع الاقتصاد المصري ومستقبله.

سنبدأ بالناتج المحلي الاجمالي الذي يقيس القدرات على التشغيل وعلى توليد الدخل وعلى الانتاج المحلي من السلع والخدمات، حيث تشير البيانات التاريخية إلى وجود عجز مستمر ما بين ما ننتجه من سلع وخدمات وبين الطلب الكلي على هذه السلع ( لأغراض الاستهلاك والاستثمار) يتراوح بين 7-8% من قيمة الناتج المحلى الاجمالي سنويا، يتم تغطيتها من الخارج في شكل زيادة صافية في الواردات عن الصادرات من السلع والخدمات.

وتتحدد قدرة الناتج المحلي على النمو فيما يعرف بالتكوين الرأسمالي الثابت أي بمقدار ما ينفق على تكوين أصول انتاجية في كافة قطاعات النشاط الاقتصادي (بدءا من الزراعة والصيد والصناعة والنقل والمال والخدمات وغيرها)، ويعكس هذا الانفاق قدرة الاقتصاد الوطني على حشد الموارد ( محليا وخارجيا) واستخدامها في تكوين أصول انتاجية تزيد من التشغيل والناتج وتوليد الدخل، ومن ثم زيادة النمو وتحسين مستوى المعيشة، وقد كان من الملاحظ أن نسبة التكوين الرأسمالي للناتج منخفضة، فضلا عن أنها كانت أخذة في التراجع من14% إلى 12.1% ما بين عامي 19-2020 و22- 2023.

وإذا كان التكوين الرأسمالي يحدد معدل النمو الاقتصادي، فإن الادخار القومي ( بجانب القدرة على التمويل من الخارج) يحدد معدل الاستثمار، والحقيقة أن الاقتصاد المصري من هذه الزاوية، يتصف بالإسراف، فضلا عن تراجع معدل الادخار في السنوات الأخيرة من 13.3% إلى 9.5% ما بين عامي 19-2020 و22- 2023، في حين تتجاوز هذه النسبة 25% وأكثر، حتى في بعض الدول الناشئة في جنوب شرق آسيا رغم تشابه مستوى الدخل.

ويرجع الانخفاض في هذه النسبة أساسا إلى انخفاض مستوى الدخل الفردي، لكن ما يزيد الأمر سوءا هو ما تحققه الحكومة عجز دائم في الموازنة العامة مما جعل مدخرات الحكومة سالبة، ومن ثم استحوذت على الجانب الأكبر من مدخرات القطاع الخاص( الأفراد والشركات)، وأثرت سلبا على الاستثمار الخاص.

وتشكل استثمارات القطاع الخاص أهم محددات الناتج المحلي والنمو الاقتصادي، ومن المشاهدات الملفتة للنظر أن هناك تراجع ملحوظ في معدل تكوين الأصول والطاقات الانتاجية في القطاع الخاص، التي تراجعت من 5.3% إلى 3.5% من الناتج المحلي ما بين عامي 19-2020 و22- 2023 ، مقابل التوسع الكبير في الاستثمار الحكومي، والذي عادة ما يتركز في البنية التحتية ورأس المال الاجتماعي، والذي رغم أهميته، إلا أنه يغذي الطلب الكلي ويرفع من مستويات الأسعار، حيث لا يقابله تشغيل دائم ولا زيادة أنية في الطاقات الانتاجية من السلع والخدمات.

نأتي إلى محدد أخر هام للوضع الاقتصادي في أي دولة وهو الانفاق الاستهلاكي، وهناك نوعان من الاستهلاك الأول هو الانفاق الاستهلاكي الخاص ويقوم به الافراد أساسا، ثم الانفاق الاستهلاكي الحكومي مقابل من ينفق من أجور ومرتبات لموظفي الحكومة أي مقدمي الخدمات الحكومية، فضلا عن المستلزمات السلعية والخدمية التي توفرها الحكومة في التعليم والصحة وغيرها من الخدمات.

وترجع أهمية الانفاق الاستهلاكي إلى أهميته في تحديد مستوى المعيشة للأفراد، كما أنه أحد محددات مستويات الانتاج والنمو الاقتصادي، ورغم أن نسبة الاستهلاك للدخل ( الميل المتوسط للاستهلاك) تعد عالية في الدول النامية والناشئة، وعند مستويات الدخل المنخفضة بصفة عامة، إلا أنها في مصر تعد مرتفعة بشكل ملحوظ عن نظيرتها في الدول الناشئة، فضلا عن اتجاهها للزيادة في الأونة الأخيرة، حيث زادت من 91% إلى 95.3% ما بين عامي 19-2020 و22- 2023، كما كان من الملاحظ تزايد الاستهلاك الخاص بشكل ملفت للنظر خلال هذه الفترة حيث زاد من 83.5% أى 88.3% من الدخل المحلي.

تبقى الإشارة إلى هيكل الاقتصاد الوطني أي إسهامات الأنشطة الإنتاجية في توليد الناتج والتشغيل، ويكفي أن نشير إلى انخفاض نصيب الناتج الصناعي في هيكل الاقتصاد الوطني بما له من دلالات على انخفاض الإنتاجية والقدرة التنافسية والتصديرية، حيث تراجع هذا النصيب من 26.7% إلى 23.9% ما بين عامي 19-2020 و22- 2023 ومن المتوقع أن يستمر في التراجع إلى 21.1% عام 23-2024 وإلى 14.8 عام 2027- 2028 بحسب توقعات صندوق النقد الدولى.

الدكتور محمد البنا أستاذ الاقتصاد والمالية العامة – جامعة المنوفية

اظهر المزيد


زر الذهاب إلى الأعلى